كانت الحياة العلمية قبل الشيخ محمد بن عبدالوهاب ضعيفة إلى حد كبير لغياب الوحدة السياسية والنشاط الدعوي التعليمي، وكان التعليم مقصورا على المدن الكبرى مع انفصال العلماء والقضاة عن حياة الناس العامة مما سبب انتشار البدع والخرافات.
لذا كان اتفاق الشيخ محمد بن عبدالوهاب مع الإمام محمد بن سعود عام 7511هـ بداية لفتح ديني سياسي بما يحمله من إلزام تعليمي لأساسيات الدين، وقد استمر هذا التلاحم وآتى ثماره العلمية لولا حصول بعض النكسات السياسية للدولة السعودية الأولى التي انتهت بسقوط الدرعية عام 4321هـ، ثم سقوط الدولة السعودية الثانية نهاية القرن الثالث عشر، ثم مع استعادة الملك عبدالعزيز للرياض عام 9131هـ كانت بداية انطلاقة علمية أقوى من سابقاتها خصوصاً بعد فتح الحجاز عام 3431هـ الذي شهد إنشاء مديرية المعارف في عام 4431هـ لتوسيع دائرة التعليم النظامي الحديث بعد أن أدت حلقات المساجد والكتاتيب دورها في التعليم إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريباً، وخرجت رواد العلم والفكر والثقافة.
والكتاتيب هي مؤسسة تربوية عرفتها المجتمعات الإسلامية منذ أقدم العصور التاريخية لتعليم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب، ويقوم الأهالي بتقديم إعانات للقائمين على التعليم فيها.
وتتمثل أدوات التعليم فيها في ألواح الكتابة وأقلامها وما يتبعها من حبر ومحابر، ومحافظ للأقلام، كما توجد أدوات لتأديب التلاميد وعقابهم.
وكان الملك عبدالعزيز رغم محدودية المال وقلة الخبرات قد قام بأعمال جبارة في سبيل نشر العلم والمعرفة بين الناس ومن جهوده في ذلك:
1 - نظام الهجر: الذي بدأ عام 0331هـ، ويهدف إلى توطين البدو في تجمعات بغرض تعليمهم والتأليف بينهم وجمعهم على التعاون في سبيل الخير وترك العصبيات الضارة فكان مشروعاً تعليمياً عملياً فريداً،وكان يبعث لكل هجرة مجموعة من المشايخ والدعاة لهذا الغرض.
2 - إنشاء مديرية المعارف : في غرة رمضان عام 4431هـ تم إنشاء مديرية المعارف التي مثلت حجر الأساس لبداية تعليم نظامي حديث، وكان إنشاء المديرية لغرض الإشراف على جميع المدارس في البلاد ومتابعة مسيرة التعليم فيها وتلبية ما تحتاجه من معلمين ومبان وأنظمة وتطوير.. إلخ -وسيأتي التعريف بها-.
3 - تغيير نمط التعليم في المسجد الحرام: فقد صدر أمر ملكي في 51 ربيع الآخر عام 5431هـ بتشكيل لجنة للإشراف على الدروس في الحرم المكيّ من انتقاء الكتب النافعة وتعيين الأساتذة ونحو ذلك.
4 - تأسيس المعهد العلمي السعودي: وذلك في عام 5431هـ، وكان من أهدافه تخريج معلمين للمدارس الابتدائية وبقي إلى عام 1831هـ حيث حلت محله معاهد إعداد المعلمين.
5 - تشكيل مجلس المعارف: صدر 4 - قرار تشكيل هذا المجلس في 2/2/6431هـ، وكان الهدف من إنشائه وضع نظام تعليمي في الحجاز، ويتكون من أربع مراحل (تحضيري - ابتدائي - ثانوي - عالي).
6 - إنشاء مدرسة الأمراء: وذلك عام 4531هـ، وتعد من التجارب الفريدة الرائدة وهي خاصة بأبناء الملك وأحفاده، واختار لها معلمين أكفاء، وكان يشرف عليها الملك ويتابع أداءها بنفسه مما كان لهذا أبلغ الأثر في نفوس المعلمين والطلاب.
7 - إنشاء مدرسة تحضير البعثات: عام 6531هـ، وهي أول مدرسة ثانوية بالمفهوم الحديث، وكان الهدف منها تحضير الطلاب للابتعاث خارج المملكة لاستكمال دراساتهم، وتم استقدام المعلمين لهذه المدرسة من مصر وغيرها.
8 - إنشاء دار التوحيد : بالطائف عام 4631هـ بتوجيه خاص من الملك عبدالعزيز وكان الهدف من إنشائها تخريج قضاة للمحاكم الشرعية، وتكفلت الدولة بإعاشة الطلاب وسكناهم وكل ما يلزمهم.
9 - افتتاح كلية الشريعة: عام 9631هـ في مكة المكرمة، وكان الهدف منها تخريج معلمين للمدارس الثانوية وقضاة للمحاكم الشرعية، وفي عام 3731هـ افتتحت كلية مماثلة في الرياض ؛ وكانت هاتان الكليتان نواة التعليم العالي في المملكة.
10 - المعاهد العلمية: تم افتتاح عدد من المعاهد العلمية على إثر المعهد العلمي السعودي الذي افتتح في مكة من قبل، وافتتح أول معهد علمي في الرياض عام 0731هـ، وكان الهدف من هذه المعاهد التوسع في العلوم الدينية لتكون بديلاً عن الكتاتيب.
مما تقدم يتضح أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان اهتمامه بالتعليم قوياً سواء تعليم البادية عن طريق إنشاء الهجر، وبعث الدعاة، وبناء المساجد، أو التعليم الحديث من فتح المدارس واستقدام المعلمين، وإنشاء الجهات المشرفة على التعليم إضافة إلى اهتمامه الشخصي بتعليم نفسه، وأهل بيته عن طريق الدروس اليومية التي كان يتلقاها في بيته وحضره وسفره، وطباعته للكتب وتوزيعها مجاناً، ووصيته لأبنائه بالعلم وهو القائل لابنه الملك سعود «احرص على تعلم العلم لأن الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم..».
0 التعليقات:
إرسال تعليق